مما لاشك فيه أننا فد نأتى من أوائل الشعوب التى تستفزها فكرة الإغتراب والهجرة والسفر .. نعم هناك من المسببات والظروف التى تحتم علينا هذا التوجه ,,
ولكن دعونا نبدأ من هناك من النهايات البعيده أو فلنقل البدايات السحيقه , فالمعلوم والمؤكد أن السودان فى غابر السنين كان من أفضل البلاد التى تُشدُ اليها الرحال لكسب العيش والتكسب أى فى نهاية الأربعينيات من القرن الماضى , ومع ذلك تغرب السودانيون وهاجروا لمصر بالذات فهل كان الهدف هو التكسب ؟؟ لاأعتقد ذلك وإن أعتقدت لاأجزم !!
فالواقع يقول أن الذين إغتربوا وسافروا عن ديارهم كانوا فى غالبيتهم من أبناء الشماليه وهم كانوا ومازالوا هم الرواد فى تبنى فكرة وظاهرة الأغتراب المنتهى بالهجره !!!
وأعتقد أن الفكرة فى بداياتها كانت تقوم على الهروب من العمل فى الزراعة والساقية والسقاية والحراثة ومشقته الى حيث يجدون متكئا للراحة كما كانوا يعتقدون , وحيث كان الهارب يعود بعد سنوات طوال وقد لبس نظيفا وبدت على وجهه ملامح النعمة والتنعم , فبدأت الفكرة تداعب القابعين أن يهاجروا ويغتربوا ويتنظفوا ويجلبوا معهم المال .....
فبدأ التسلل والإنسلال من خلية المجتمع البسيط الى فضاءآت واسعة تحتويهم فإندفعوا فى الطريق الى الهاويه وأمعنوا فى الهروب من الواقع الى مساحات الخيال والتخيل , وبدأت الفكرة التى ظهرت كوسيلة للهروب تصبح واقعا معاشا ....
ولكن قبل أن نمعن فى المسير على هذا الطريق دعونا نكشف الفارق والفرق بين الإغتراب والهجره , فالإغتراب يعتمد على فكرة العودة أو البعد عن المكان فترة زمانيه محدده ومرتبطه بوضع يبحث فيه المغترب عن تصحيحه كأن تكون ظروفا اقتصاديه أو ضائقة ماديه أو فكرة تغيير المكان لفترة زمانية محدده يعود المغترب بعدها لأهله ووطنه وتتخلل هذه الفترة نفسها عودات متكرره يبقى بها فى ذاكرة الزمان والمكان وساكنيه ....
ولكن الهجرة أعتقد أنها لغة تعنى أن تهجر وتبعد عن المكان نهائيا لاعودةٌ ولارجعات تبقيك فى ذاكرة المكان ,
كأهل حلفا مثلا الذين هُجروا عند بناء السد , فهم هاجروا وحملوا حلفا فى ذاكرتهم ولكن هل أبقتهم حلفا فى ذاكرتها ؟ هنا السؤال ؟؟فالواقع أنهم هُجروا لكى تنبّت صلتهم وأن يكونوا مجتمعا مندمجا فى خلية أخرى ولكن قوة إرتباطهم بالأصول أبقت شيئا من وهج الشمال ولغته فلم تستطع خشم القربة ولاحلفا الجديدة أن تمحو من ذاكرتهم مرابع الطفولة ومدافن الأجداد ,, ولكن هؤلاء من تمثلنا بهم هُجروا ولم يهاجروا وحديثى ينصّب على مجمل السودانين الذين تبدأ رحلة الهجرة عندهم بسفرة صغيرة أو غربة تكون محددة الملامح >
يسافر السودانى من أجل ظروف مادية أو للخروج منضائقة تمر به أو بأسرته , ولكن هل يعود ويستقر فى موطنه لو تعدّى هذه الظروف ؟؟؟ لا فالواقع المعاش يفضحنا ويقول أن السودانى المغترب والذى يعود كل عامين أو ثلاثه على أحسن الفروض يُصنف فى خانة المهاجرين!! بمعنى أننى كمغترب فى التصنيف أظل خارج وطنى أكثر من نصف عمرى وقد أعود وقد لا !! لماذا ؟ هذا هو المحّير فى بند الأسئله ,,,
لأننى وببساطة شديده أرفع سقف مطالبى وآمالى يوما بعد يوم وأنسى تماما أن الإنسان لايكتفى وأن له عمرا محددا يجب أن يعيشه ,, فمثلا أخرج من وطنى إن كنت سعيداوعمرى ثلاثين عاما إن لم أغترب فى العشرين وفى الخامسة والثلاثين أعود لأتزوج لو وُفقت فى غربتى وفى الأربعين أشقى فى سبيل أن يكون لى بيتا يأوى أبنائه , وطوال هذه الفترة يكون قد رأى أبنائه ثلاث أو أربع مرات وعندما يكمل هذا المشروع يبحث عن سياره أو شيئا يعتقد أنه تأمين لحياته وفى الأثناء يكون قد إستوفى الخمسين من عمره , ولو تمعنا فى الحديث الشريف عن الرسول الكريم : أعمار أمتى بين الخمسين والستين >> نكتشف أننا قد أكلنا العمر الإفتراضى لنا فى هذه الفانيه , لنقف وجها لوجه مع النهاية فلا سعدنا بأبنائنا ولاسعدوا بنا ,ولاحتى تمتعنا بما عملناه من بيت بنيناه أو سيارة إقتنيناها , وهذا الحال لمن صُنف فى المغتربين , وهم فى الحقيقة مهاجرون..
وكثيرون هم من كانفى إمكانهم أن يعودوا للوطن ويعيشوا على مستوى السادة والأغنياء ولكنهم فضلوا البقاء عبيدا فى بلاد الآخرين على أن يكونوا سادة فى بلادهم , فهل هى نزعة للعبودية فينا وشهوة للذل والهوان..
فتخيل معى أخى هذا السؤال : هل نحن أُمة من العبيد لانستطيع أن نكون ساده ؟؟
سيقول قائل أن بلادنا طارده بظروفها وصعوبة الحياة فيها وأننا نخاف حدوث الفقر أكثر من خوفنا من الفقر نفسه , ولكن ا لمتأمل و المتابع لحديثى لابد أن يكتشف أننى لاأمانع فى تغرب الناس فى طلب العيش ولا السعى فى فجاج الأرض فهذه سنة الحياة ولكن كل الناس يعودون إلا نحن !!! فغربتنا تتحول تلقائيا الى هجره , لماذا لأننا لانود العودة ولا الرجوع !!
ومن عجب أننا نتباكى بدموع المشتاقين للديار وللأهل وللمرابع وللنيل ونتمسك بأهداب الغربة ولو حققنا أكثر أهدافنا وغاياتنا فحتى متى ؟؟؟؟
أنا مثلا أعرف أشخاصا يملكون عمائرا وسيارات ومشاريع فى السودان يمكن أن يعيشوا على ريعها ملوكا وساده فى الوطن , ويتعرضون لمهانات ومذلات لو تعرض لها صاحب نفس أبية وهو معدم لنفر منها !ولو أنه كان معدما أومحتاجا لعذرناه ولكن أن تكون مقتدرا وترضى بكل هذه المهانة فهذا هو المحير فى الأمر, ولو أنه تدبر الأمر وقرأ الحال سيكتشف أنه ظل مثل الحمار يحمل أسفارا فما معنى أن تكون فى سباق مع المال تجمعه سنوات عمرك ولاتتمتع به ؟ فلماذا الجهد ؟ لاتقل لى أنك تفعل ذلك من أجل إراحة أبنائك وتأمين مستقبلهم فهذه فرية أطلقناها لنبرر بها مانفعله بأنفسنا , والمصيبة أننا صدقنا كذبتنا تلك , فكم من ابناء كان أباهم معدما ونجحوا لأن الرزق لايعتمد على ما تجمعه وكم من أبناء أغنياء فقروا وقديما قيل :
قد تكلف النفس بالدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك مافيها
أموالنا لذوى الميراث نجمعها وبيوتنا لخراب الدهر نبنيها
فلنقف عند حد سيف الجدل ونحسم النقاش هل لو عملنا بهذا الجهد الذى نعمل به فى الغربة فى بلادنا أكنا نستطيع أن نعيش حية كريمة أم لا ؟؟ أم نحن كالإبرة يجب أن يدفعها يد من الخلف لتخيط المفتوق ؟؟ أم أننا وللأسف إستمرأنا حياة الذل والهوان ولم نعد قادرين على الخروج منهذه المحرقه ؟؟فليعُد من تحققت بعض غاياته وسيجد الآخرين فى إثره ,, فكما تسللنا فرادى وجماعات من بلادنا يجب أن نعود فلنا وطن يسع الجميع نعم يحتاج الأمر لبعض المشقة والجهد ولكن أنظر لما تبذله من شبابك وجهدك وعمرك وما تعانيه من مهانة ومذلة بغض النظر عن باقى الأمور فالغربة فى حد ذاتها مذلة ومهانه !!!
وسلبياتها لاتعد ولاتتقاس بفوائدها أقلها أنك تبقى فى وادى وأبناؤك فى واد آخر فلماذا الحياة إن لم أستطع تحقيق التواصل مع أبنائى وعشيرتى ,,,,,..
*****************************************
عفوا إخوتى على طول الموضوع فقد جرفنى القلم وراء المأساة ولكم الشكر والتقدير إن صبرتم على طول الموضوع ودمتم